بقلم السفيرة الدكتورة/ ماجدة الدسوقي
———————————————
إن أقوى تعريف للتراث الإنساني هو ” كل ما ينتقل من عادات وتقاليد وعلوم وآداب وفنون وقيم ونحوها من جيل إلى جيل ” بمعنى هو ما أورثته الأجيال السابقة للأجيال اللاحقة ليكون عبرة من الماضي وطريقا يستخلص منه الأبناء الدروس والعبر ليجتازوا الحاضر إلى المستقبل . ينقسم التراث الإنساني الى عدة أقسام منها : التراث الأدبي أو الثقافي ويشمل كل ما كُتب من أدب وثقافة وقصص وروايات ودواوين شعر في المجلدات والكتب والصحافة في بلد ما ، ولا ننسى طبعا التراث الديني الذي هو جزء لا يتجزأ من التراث الثقافي . أما التراث الشعبي فيشمل الفنون الشعبية والموسيقى والمعتقدات الشعبية والحكايات والأمثال التي تجري على ألسنة العامة من الناس ، بإلإضافة الى عادات وأعراف معينة في المناسبات المختلفة كالزواج والألعاب والمهارات والإحتفالات الموسمية . أما التراث المعماري أو الحضاري فيمثل تاريخ وحضارة مجتمع ما وهو الصلة المادية والمعنوية التي تربط الأجيال المعاصرة بأسلافهم كما أنه إنعكاس للبيئة الإقتصادية والإجتماعية التي عاشها الأسلاف من الأجداد كما أنه مؤشر قوي على تجسيد الحضارة المعمارية السابقة مثل القلاع والحصون وبعض أماكن العبادة وأماكن أثرية أخرى . يعتبر التراث في الحقيقة بكل أنواعه الأم التاريخية للشعوب كما أنه يعطيها هويتها المميزة لكي لا تنقطع الصلة بين الأجداد والأبناء .
يتضح مما سبق أن واجب كل بلد أو شعب أن يحافظ على تراثه سواء من قِبل الدولة ومن الناس أنفسهم وبهذا يكون حفظ التراث مسؤولية الجميع . يذهب البعض إلى القول بأن التراث والتمسك به يعتبران حجر عثرة في طريق التقدم والتطور المجتمعي وهذا قول غير صحيح لأننا يمكن أن نجمع بين الماضي بتقاليده وتراثه وعاداته والتطور المعاصر الذي تريده الدولة والذي يعتبر هدفا من أهداف المجتمع . والسؤال الذي يفرض نفسه هو : كيف يمكن الحفاظ على التراث ؟ من مسؤولية الدولة حماية التراث على أرضها بعدة وسائل مثل زيادة المراكز الخدمية والمتاحف وسن التشريعات القانونية لمعاقبة كل من تسول له نفسه العبث بالتراث أو سرقته ، بالإضافة الى إنشاء لجان متخصصة لمراقبة المراكز الخدمية للتراث والمتاحف أيضا . نلاحظ احيانا أن التراث مهدد بالتدمير أو التلف بشكل متزايد بسبب عوامل التعرية وتبدل الطقس علاوة على ضآلة الوعي والحس الوطني للحفاظ عليه وأحيانا لعدم توفر الموارد الإقتصادية والتكنولوجية الكافية في البلد الذي يوجد فيه التراث المراد حمايته . تنشر وسائل الإعلام من حين لآخر أخبارا عن أماكن تراثية تتعرض للنهب والسلب من قبل بعض المواطنين والسؤال الأخر الهام : ما أهمية المحافظة على التراث بجميع أنواعه ؟ إذا حافظت الدولة والناس على التراث فهذا يزيد من إنتقال المعرفة والمهارات من الحيل القديم إلى الجيل الحديث الذي يمكن أن يعيد صياغة بعض التراث بثوب ومقاس جديدين ، بالإضافة الى أن الأمة تشعر بهويتها وإنتماءها للوطن . ويعتبر الحفاظ على التراث وخاصة المعماري أو الحضاري مصدرًا لتدفق العملات الأجنبية من السياح الذين يأتون من بلاد العالم للتمتع برؤية مثل الآثار والتماثيل والمنحوتات الأخرى . وأهم من هذا كله أن المحافظة على التراث تخلق رابطة قوية بين الماضي والحاضر والمستقبل مما يولد شعورا بالإستمرارية .