الصوم يربي في قلب الصائم العطف على الفقير والمحتاج حينما يشعر بألم الجوع فيسارع بالبر والإحسان للمحتاج ابتغاء مرضاة الله, دون انتظار لعوض من أحد, ولا لغرض دنيوي, بل إن المسلم لا ينتظر سؤال المحتاج للمساعدة, ولكنه يسارع بالبحث عنه, ليعطيه العطاء بنفس سخية راضية ترجو الرضا والعطاء من رب يجزل العطاء للمحسنين.
ورمضان يربي المسلم على الإحسان إلى الناس, والإنفاق والسخاء, التعاون على البر والتقوى, تفريج الكربات, والإيثار, والمروءة.
الرسول صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة:
عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس, وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل, وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن. فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة) البخاري – الفتح واللفظ له. ومسلم.
الرسول صلى الله عليه وسلم يعطي عطاء من لا يخاف الفقر: عن أنس رضي الله عنه أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم غنمًا بين جبلين. فأعطاه إياه. فأتى قومه. فقال: أي قوم. أسلموا, فوالله إن محمدًا ليعطي عطاء من لا يخافُ الفقر) مسلم.
تسابق الصحابة رضي الله عنهم في أعمال البر والإحسان:
تأمل في هذا التسابق بالإحسان في غزوة تبوك, عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا أن نتصدق, فوافق ذلك مالاً عندي, فقلت: اليوم أسبق أبا بكر, إن سبقتُه يومًا , فجئت بنصف مالي, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما أبقيت لأهلك؟ قلت: مثله, قال: وأتى أبوبكر رضي الله عنه بكل ما عنده, فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما أبقيت لأهلك؟, قال: أبقيت لهم الله ورسوله, قلت: لا أسابقك إلى شيء أبدًا) أبو داود وقال الألباني: حسن.
وعلى المسلم أن يقتصد في حياته ولا يسرف ليجعل في ثروته متسعًا يسعف به المنكوبين:
وقد أشار القرآن الكريم إلى هذا المعنى حين قرن النهي عن التبذير بأمر الإنفاق على القرابة والمساكين. فإن المبذر متلاف سفيه, يضيع في شهواته الخاصة زبدة ماله. فماذا يبقى للحقوق الواجبة والعون المفروض؟؟
قال تعالى: (وَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا* إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ ۖ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا) (الإسراء: 26, 27)
قال ابن قدامة – رحمه الله تعالى: الجَوَادُ من قام بواجب الشرع (الزكاة والنفقة على العيال) ولازم المروءة (ترك المضايقة, والاستقصاء عن المُحقَّراتِ ويبذل زيادة على ذلك) مختصر منهاج القاصدين، ومضى السياق في الإيصاء بالمحتاجين وصيانة وجوهم فأمر المسلم أن يرجَّيهم الخير, وأن يرد بميسور من القول إذا كان لا يملك إيتاءهم ما يبتغون (وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِّن رَّبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُل لَّهُمْ قَوْلًا مَّيْسُورًا) (الإسراء: 28).
حسن العشرة, والنفقة على الأهل: عن عائشة رضي الله عنها: ما كان أحد أحسن خلقًا من رسول الله, ما دعاه أحد من أصحابه ولا أهل بيته إلا قال: لبيك. عن أنس رضي الله عنه كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتى بهدية قال: اذهبوا بها إلى بيت فلانة, فإنها كانت صديقة لخديجة, إنها كانت تحب خديجة) وقد كان ذلك بعد وفاتها، وفي الحديث (إن المسلم إذا أنفق على أهله نفقة وهو يحتسبها كانت له صدقة) البخاري.
فالمسلم عليه أن يجود على أهله وأولاده في اعتدال دون إسراف أو تبذير, مخلصًا لله تعالى في نفقته حتى يفوز بالأجر من الله سبحانه وتعالى.
صلة الأرحام:
قال تعالى: (وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ)(الأحزاب: 6).
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الصدقة على المسكين صدقة, وعلى القريب صدقتان, صدقة وصلة) الترمذي، وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان أبو طلحة أكثر الأنصار بالمدينة مالاً من نخل – وكان أحب أمواله إليه بيرحاء, وكانت مستقبلة المسجد, وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب. قال أنس: فلما نزلت هذه الآية: (لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) (آل عمران: 92) قام أبو طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله – إن الله تبارك وتعالى يقول (لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) وإن أحب أموالي إلي بيرحاء, وإنها صدقة لله أرجو برها وذخرها عند الله, فضعها يا رسول الله حيث أراك الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بخ ذلك مال رابح. ذلك مال رابح , وقد سمعت ما قلت, وإني أرى أن تجعلها في الأقربين. فقال أبو طلحة افعل يا رسول الله, فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه) البخاري – الفتح واللفظ له.
التخلق بالأخلاق الحسنة وقضاء الحوائج: ما أحوجنا في هذه المرحلة إلى الجود على أبناء أمتنا بمحاسن الأخلاق, والتكافل المعنوي والمادي, حتى نصبح كالجسد الواحد, والبناء المرصوص, الذي يستعصي على الأعداء.
فمن أبواب الصدقات في الإسلام قوله صلى الله عليه وسلم: (تبسمك في وجه أخيك صدقة, وأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر صدقة, وإرشادك الرجل في أرض الضلال لك صدقة, وإماطتك الأذى والشوك والعظم عن الطريق لك صدقة, وإفراغك من دلوك في دلو أخيك لك صدقة, وبصرك للرجل الرديء البصر لك صدقة) البخاري.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أصبح منكم اليوم صائما؟ قال أبوبكر رضي الله عنه أنا. قال (فمن تبع منكم اليوم جنازة؟ قال أبوبكر: أنا. قال: فمن أطعم منكم اليوم مسكينا؟ قال أبوبكر: أنا. قال: فمن عاد منكم اليوم مريضا؟ قال أبوبكر: أنا. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما اجتمعن في امريء إلا دخل الجنة) مسلم.
قصة رجل يحسن إلى الناس بالعفو عمن أساء إليه:
ذكر الحافظ ابن حجر أن الحافظ ابن مندة روى من حديث أبي عيسى بن جبر قال: كان عُلبة بن زيد بن حارثة رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم , فلما حض على الصدقة جاء كل رجل منهم بطاقته وما عنده, فقال علبة بن زيد: اللهم إنه ليس عندي ما أتصدق به, اللهم إني أتصدق بعرضي على من ناله من خلقك, فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم مناديًا فنادى أين المتصدق بعرضه البارحة؟ فقام عُلبة: أنا, فقال: (قد قُبلتْ صدقتك) الإصابة. وعلبة بن زيد بن حارثة من البكائين السبعة في غزوة تبوك.