قِفا نُعانقْ أهازيجَ النخيلِ قِفا
والمَنزلَ القفرَ والأرواحَ والسَّعَفا
قفا نُضَمِّدْ حَنايانا فليس لنا
سوى دموعٍ وأنَّى تُهْمِدُ الطرَفا
دَربٌ ووارَتْ عيونُ الليلِ فَرحَتَه
هيهاتَ ألقاه ثَوبَ العيدِ مُلْتَحِفا
الليلُ بعد الرّدى قد زُمَّ دابِرُه
وباتَ مُنحَبِسَ الأنفاسِ مُنعَكِفا
والبيتُ ما إنْ سَرَتْ بالموتِ لوعَتُهُ
حَرّاً غدا أطرمَ الأنسامِ إذْ قَشِفا
فلَيتَ شِعْريَ هَلْ بعدَ الرَّدى فَرَحٌ
فلا عيونَ تَرى بعد الثَّرى لهَفا
حرفِي به غصَّةٌ إذْ ليس يَسْلَمُها
ولا يزال زوايا الحزنِ مُعتَكِفا
سَرَى على البالِ ماضي العُمرِ مُقتَضِبا
كالبرقِ قد صاغ لي ما قد مَضى وهَفا
يَسيلُ دمعُ الأسى سيلا.. فواا أسفا
قد خِلتُه ارتَحَلَتْ غصَّاتُهُ وكَفَى
ماذا دهاه وما استَحلَبتُه أبدا
ومَن دَعاه وما استَبقَى له طَرَفا
ولستُ أدري كخَطفِ البرقِ أجْهَشَني
تَجاوَزَ الذَّرفَ عند الآهِ حين طفا
أبغَضْتُ أمْرَ النَّوى والموتُ ليس له
مُفْتٍ يُمَطِّيه إلا مُدَّعٍ تَلِفا
أمْسَيْتُ أَنْعِي فقيداً كان مِثلَ أبي
إذْ لَمْ أجِدْ في جُنوحِ الصَّمتِ مُقْتَطَفا
فلو تَنَحَّى صَوابُ العقلِ عَن خَلَدي
لن يُصبِحَ القلبُ عن ذِكراه مُنصَرِفا
لي إخوةٌ منه كَمْ ناحوا وكم مَنَحُوا
كأنما بأسُه في ضِلعِهم رَجَفا
فمِنهُمُ ذو حنينٍ جارَ مهجرُه
ومنهمُ ذو أنينٍ فَزَّ فانعجَفَا
ولم يَرَوْا فرَجا غيرَ الدعاءِ لهُ
في الرَّوعِ باتوا غَداةَ انكفَّ وانتكَفا
وليس مِن حَسرةٍ في القلبِ تُلْهِبُهمْ
إلا التي لو رآها ماردٌ سَخِفَا
الجزء الثاني:
أَصْلَى الفؤادَ بِصبرٍ مِنْ تَغَرُّبِهِم
فزاده الصبرُ مِن بعدِ الضَّنى دَنَفَا
كم صاح ليلى ابنتي.. دَعْمي ويا سَندي
والنفسُ ترنو إلى مَنْ في الرِّضى انعَكَفَا
بالرحبِ تلحقه لبيك يا أبتي،،
أُؤْمُرْ وإْنْ لَمْ تَسَلْ روحي فألفُ أَفَا..
ردٌّ كريمً وَرحْبُ الباعِ موكِبُها
كالغيْثِ إنْ فزَّ مِن أقطارِه تَرِفا
تُخْفي عناءَ الدُّنَا لو هُدَّ كاهِلُها
وتَقْطَعُ البَحرَ والآفاقَ كي تقِفا
أَنْ لا تغيبَ إذا ما انهارَ والِدُها
إذْ تمتَطي ذا جموحٍ، هَفَّ أو هَتَفا
ليلى ابنةُ القلبِ، عِطرُ الروحِ يذكرُها
تُنشي النسيمَ، ألا يا نعمَ مَن رَهَفا
لمْ يلْقَ عند نَواهُم غيرَ يوسُفِه
كم بات عنْ غفوةِ العينين مُنعَطِفا
عَن صوتِه ما غفا، باللِّينِ يُسعِفُه
والله يَبْسَمُ في وجهِ الذي سَعَفا
فحين تَنتابُه الشكوى يطيرُ به
على جناحِ الرِّضا أمْضَى له كَنَفا
لم يَشكُ ما حمَلَتْ كفَّاه أو صَرَفَتْ
فذو الرضا لم يَزَلْ يَسمو بما صَرَفا
كم بات طَوعَ يدٍ بالرفقِ يَمسَدُها
حتى أفاضَ الرَّدى الأنْفاسَ وانخَطَفا
فأين مِلءَ يدٍ ترتادُها يدُه
وأين حِسَّ أبٍ.. يُحْنِي له الكَتِفا..
تَسَاقطَ الكَفُّ إذْ لا نَبضَ يَسْمَعُهُ
ولا صدَى وقتَ باتَ الموتُ مُكتَنِفا
دَمْعاتُ يوسفَ لا جفَّتْ ولا بَرِئَتْ
قد بات مُنْعَدِمَ الإسنادِ مُنحَذِفا
فقلبُ أمّيَ قد جُزَّتْ دَعائِمُهُ
فكيف يُزْهِرُ قلبٌ جِذْعُه انقَصَفا
في كُلِّ رُكنٍ له ذكرى تُؤَرِّقها
قد سوَّدَ البَينُ ما في العمقِ والصَّدَفَا
تُجْلي بإيمانِها حُزنا تَغَلْغَلَها
وهْوَ الْأشَمُّ تراه العينُ مُرْتَخِفا
فلا تسل نزف قلب عن تَفَتُّقِه
يكاد مَسْلَكُه يستخلِف الكلَفا
وعَنْ أقاربَ كم زاروا وما تَعِبوا
وعَنْ رِفاقَ ومَنْ وافى ومَنْ عَرَفا
الجزء الثالث:
آهٍ مِنَ الآهِ حين المرُّ يَمْزُجُها
بِعلقَمِ الفَقْدِ، تُضحي العُمقَ مُرتَجِفَا
لا شيءَ يَسْحَبُها، لا صَبرَ يَصْرِفُها
لَسْعاً غدَت، وأنيناً بالشَّظى قُذِفا
ويَنقَضِي العمرُ لا رَكْبٌ ولا سَفَرٌ
تيبَّسَ الخطوُ في أرصادِه وجَفا
لِضَمِّهم تاقَ لا انْفَكوا ولا وَكَفوا
ما نفعُهُ الدَّمعُ إنْ أذْرَى وإنْ نَكَفَا
الموتُ لا يُمهِلُ الأنفاسَ لو رَكَعَتْ
ولا يَعي مَن نفَتْهُ الدارُ فاعتَفَسا
حَبُّوبتي أختُ قلبي كَمْ نَوَتْ وسَعَتْ
لكنه الحالُ أنْهَى العزمَ والدَّلَفَا
ناحَتْ وصاحَتْ ونارُ الفَقْدِ تَحرِقُها
أنَّتْ وهَنَّتْ وصِيتُ الحلْقِ قد نَحَفَا
فليسَ مثلُ الذي أهدَتْ لوالدِها
أضْحَتْ شُعورَ الضَّنى بالبَسْطِ مُنحَرِفا
بِروحِها قد كَسَتْ وجهَ الأسى أملا
ومِن نداها تنحَّى البأسُ وانجَرَفا
يا أختَ قلبِي ويا روحي ويا فرَحي
ما الموتُ إلا قِوى غيبٍ وما انعرفَا
رِضاهُ حُزْتِ، فما أغدَقتِهِ فرحاً
فيما تعي الروحُ، بل خَدَّرْتِ ما شُظِفَا
مَنْ ذا يُعارِضُ أقدارَ الإلهِ ومَنْ
يُقاوِمُ الموتَ إِنْ أسْرى وإنْ زَحَفا
فَوَاجِعُ الدَّهْرِ عَبرَ العُمْرِ نَصْرِفُها
تَقْفُو، فتسحَبُ ريحُ البينِ مَنْ دَنِفا
يا تارِكَ الدار زُمْتَ البُعدَ تَعْتَبُهُ
زَوْمَ الحبيبِ بثوبِ الشوقِ حين رفا
يا راحلا وغِراسُ الخيرِ تَذْكرُه
هذا دعائي بِصِدقِ النَّبْضِ قد نَزَفا
يا رَبِّ أوجِدْ لهُ في القبرِ متَّسَعاً
ورحمةً تجتبي عفوا لِمَنْ ضَعَفا
يا ربِّ هِبْهُ بما أنتَ الكريمُ به
ياربِّ وامنَحْهُ مِن قُربانِكَ الشَّرَفا