تهانى عنانى تكتب نساء -تحدث عنهن القرآن
كتبت تهاني عناني.
قال تعالى:(قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ)
من اللواتي نزل فيهنَّ قرآنٌ من غيرِ زوجات النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – خولة بنت ثعلبة زوجة أوس بن الصامت، الذي كان شيخًا كبيرًا وقد ساء خلقُه، ودخل على زوجته يومًا فراجعته بشيءٍ فغضب عليها، وظاهر منها – قال لها: أنت علي كظهر أمي – يريدُ بذلك أن يحرمَها على نفسِه، على عادةٍ كانت سائدةً في الجاهلية، ومع ذلك رجع إليها بعد قليلٍ وأرادها عن نفسِها، فامتنعت منه حتى يحكمَ الله ورسوله فيهما، فواثبها وغلبتْه بما تغلب المرأةُ الشيخَ الضعيف، وأبعدته عن نفسِها، ثم خرجت إلى بيتِ النبي، وذكرت له ما لقيت من زوجِها: “يا رسول الله، أكلَ مالي، وأفنى شبابي، ونثرت له بطني، حتى إذا كبرت سني وانقطعَ ولدي ظاهر منِّي، اللهمَّ إني أشكو إليك”، فجعل النبي صلَّى الله عليه وسلَّم يقول لها: (يا خولة، ابنُ عمِّك شيخ كبير فاتقي الله فيه، ما أعلمك إلا قد حرمتِ عليه)، فقالت: أشكو إلى الله ما نزل بي وأشكو أبا صبيتي، فرأت عائشةُ وجهَ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قد تغير، إيذانًا بنزول الوحي عليه، فنحتها عنه، ومكث رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم في غشيانه، فلمَّا انقطع عنه الوحي قال:(يا عائشة، أين المرأة؟ فدعتها، فقال لها رسولُ الله عليه السلام:(يا خولة، قد أنزل الله فيكِ وفي صاحبك، ثم قرأ عليها: ﴿ قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ،الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ ، وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ (المجادلة)، وقال لها الرسولُ عليه السلام: (مُريه فليعتق رقبة)، فقالت: ما عنده ما يعتق، قال: (فليصمْ شهرين متتابعين)، قالت: والله إنه شيخٌ كبير ما به من صيام، قال: (فليطعم ستين مسكينًا وسقًا – ستين صاعًا – من تمر)، قالت: يا رسول اللهِ، ما ذاك عنده، فأعانه الرسولُ بثلاثين صاعًا، وأعانته زوجته بثلاثين قال: “قد أصبت وأحسنت، فاذهبى فتصدقى به عنه، ثم استوصى بابن عمك خيرًا”. قالت: ففعلت.
لم تكتفِ خولة بطلب الحكم من رسول الله فى أمرٍ كان يشاع وقتها أنها مفروغ منه وهو فراقهما، ولم تكتفِ حتى بأن تأخذ الحكم الأصعب والكفارة التى رأت أن زوجها لن يمكنه تطبيقها بل أوضحت بأدبِ لرسول الله أن تلك الكفارة ليست فى وسعه، ولم تخجل أن تكرر ذلك مرة واثنتين وثلاثة حتى ساعدها رسول الله وقررت هى رغم عتبها على الزوج أن تساعده أيضًا فى كفارته لتنقذ بذلك البيت الذى رفضت أن ينهار وينتهى بسبب قسمٍ فى لحظة غضب.
وهكذا كان تصرف هذه المرأة المسلمة وحوارها مع رسول الله عليه السلام سببًا لنزولِ هذه الآيات وتشريع كفارةالظِّهار، ليتذكرُ المسلمون مواقفَ هؤلاء النسوة، الصالحات، اللواتي تحدثَ عنهنَّ القرآن، كلما قرؤوا كتاب الله ومرت معهم الآيات التي تناولت قضاياهنَّ، فرضي الله عن الصالحاتِ منهنَّ، وجعلهنَّ الله قدوةً للمؤمنات،
وقد لقيتْ خولةُ هذه مرةً عمرَ بن الخطاب في خلافته فاستوقفته، فوقف لها ودنا منها وأصغى إليها رأسَه، حتى أنهت حديثَها وانصرفتْ، فقال له رجل: يا أمير المؤمنين، حبست رجالات قريش على هذه العجوز؟ فقال له عمر: “ويحك! أتدري من هذه؟”، قال: لا، فقال له: “هذه امرأةٌ سمع الله شكواها من فوق سبع سموات، هذه خولة بنت ثعلبة، والله لو لم تنصرفْ عني إلى الليلِ ما انصرفتُ حتى تقضي حاجتَها”.