بقلم -ياسين إزاز من إرتريا..
إذا كانت السعادة العظمى منوطة بعظمة الإنجاز، وجلب كل ما هو مفيد، فإني سأكون أكثر الناس تعاسة، أما إذا كانت مرهونة ببساطة الحياة فإن الصورة -الصورة التصورية للسعادة- المألوفة والمتداولة بين الناس، لا يمكن تغييرها.
راودني الحزن، وشرعتُ في طرح ما يشغل ذهني؛ البحث عن الاستقرار الداخلي، وهما الحب والسلام اللذين يظلان حبيسي الوقت المنتظر للإنبثاق والمُضي بثبات نحو ما كان خفيا لمدة غير محدودة.
إن أكثر ما يخيفنا في حياتنا هو التجديد. اتخاد الخطوة إلى الأمام -رغم عدم تقبلنا للوضع المادي والحسي العاطفي الذي نعيشه الآن- ومع ذلك تبقى الصورة كما هي، الركض خلف الملذات العابرة التي تستخلص ما بدواخلنا من مشاعر تجاه ما نُحب.
فإن الحزن العميق يُربك العقل في أن يتخذ القرار الصائب في الوقت الملائم. إن هذا الحزن يعزف بأوتار العقل البشري تماما كمن يعزف على آلة الكمّان دون أن يكترث لأنينها المُتدفق قهرًا وأسىً من أوتارها الأربعة. ورغم استمرارية العازف، إلا أنه لا أحد يسأل وكل ما يشغل بال المكتظين في تلك الآونة لا يُضيرهم نحيب الكمّان، إنهم يبحثون فقط عن السعادة المزعومة في آنين الآلة. وكل سعادة نجدها في أذية الغير -حتى وإن كان ربابة أو بيانو أو آلة الكمان- فإن مفعول السعادة يبطل من تلقاء نفسه، قبل أن يقرع مسامعنا.
إن المرء يجب أن يتجنب العاهات التي ترهق ما بداخله، حتى يتمتع بالعنفوان المطلوب لتحقيق وملامسة السراب الراكض خلفه دون انقطاع الوتيرة التي تتناوب على أعماقه دون تركيز فتقضي على هالة المشاعر الساكنة. فحين تجثو على رُكبتيك طالبا نظرة الشفقة من تلك التي تقف أمامك شامخة، يصبح الحب تسولاً. نحن البشر دائما نرتكب حماقات في حق الغير، فنحنُ من نقرر مصير الأقوام والأشخاص، لكن مع كل ذلك لا أفهم حقا؛ لماذا علينا أن نتقمص دور الملاك -كي لا اضطر للقول إله- ونجازي الصالح والمفسد؟
هناك أيضا شيء من الحكمة في التهور بالاعتراف بالحب، وهي حكمة خفية وبالغة في الجنون، وهناك حب عميق في عبارة “أكرهك جدا” حين تخرج في آخر النزاع بين الطرفين. فالذين نراهم على بعد مسافة يضحكون صخبا ونحن يكسونا الحزن، نظنهم مجانين أو ربما تافهون. الأمر ليس متعلقا بالتفاهة أو الجنون، إننا نعتقد ذلك لأنهم لم يشعروا ما بداخلنا. كذلك أيضا في الحب، نغتاظ ممن يقطن حبهم في أعماقنا، وهم يمنحوننا ابتسامة عابرة كالغرباء. هذه الابتسامة بالذات تجعلنا نُحسُّ بالذل والإهانة أكثرَ من أي وقت مضى. الحب الحقيقي رسالة راسخة للسلام -الداخلي والخارجي- لكن حين نجد من يبادلنا الحب ذاته، ويعتقد المرء أن بالحب نبلغ أعالي السلام، غير ألا شيء يزعج العاشقين أكثر من الحب، خاصة إذا اخطأوا الاختيار. كفاك حزنا يا صديقي؛ لا يشعر المرء بالحب وهو حزين