تنابلة السلطان
عبدالحميدشومان
من منّا لم يسمع عن تنابلة السلطان؟ هذا الاسم القديم الذي شاع في العصر العثماني وراح يستخدم في لهجتنا الدارجة كمرادف للكسل والخمول أو اللا مبالاة والاعتماد على الآخرين وما شابهها من معانٍ تصبّ جميعها في عادات مكتسبة تسهم في تردّي الإنسان وعدم قيامه بواجباته ومهامه وانتفاء حرصه على الاستفادة من جوارحه وقدراته وإمكانياته ومن ثمّ اتّكاله علـى غيره في إنجاز أعماله وتسيير حياته.
يقول الناس: هذا تنبل.. أي أنه لا يفعل شيئاً ولا يتحمل المسؤولية ولا يحسن التصرف وتنبل هي كلمة تركية تُستخدم بمعنى الكسول والبطيء ويقال إن التنبل هو الشخص الذي لا يهشّ ولا ينشّ ولا ينفعل ولا يغضب قد تقوم الدنيا وتقعد وهو لا يحرّك ساكناً وأنه ليست لديه حنكة وحكمة في النظر إلى الأشياء وفي كتب اللغة نقرأ كلمة التنْبال والتنْبَل والتنْبالة بمعنى الرجل القصير كما في لسان العرب لابن منظور.
ومما يروى أن تنابلة السلطان لهم قصة تكاد أن تكون أسطورة يقولون إنه في سالف العصر والزمان كان هناك سلطان أمر بإنشاء دار للعجزة والمسنّين وخصّص مبلغاً للصرف على تلك الدار لكن تلك الدار خرجت عن مسارها وأهدافها وغدت ملجأ لكل كسلان يجد فيها المأكل والمشرب والمأوى فغضب السلطان حينما تكشفت له أحوال الدار وأمر بمعاقبة مدّعي العجز بإغراقهم في النهر وفي الطريق إلى النهر أراد رجل من أهل الخير أن ينقذ هؤلاء الكسالى من الموت فأخبر الجنود أن لديه مزرعة كبيرة لتربية الأبقار يتوفر فيها كثير من المياه ويجلب إليها يومياً كثيراً من الخبز اليابس من فضلات البيوت ويمكن لهؤلاء أن يعيشوا في المزرعة ويعتمدوا في طعامهم على تناول العيش اليابس بعد نقعه في الماء وسمع التنابلة الحوار الذي يجري بين فاعل الخير والجنود فسألوا فاعل الخير عمن سيتولى أمر نقع الخبز في الماء فقال: أنتم، حينها صاح كبير التنابلة للجند بالإسراع إلى النهر لإغراقهم تنفيذاً لأوامر السلطان!
أي أنهم فضّلوا الموت غرقاً على أن يقوموا بخدمة أنفسهم.
مغزى المقال أنه في حياتنا اليومية نرى كثيراً من هؤلاء التنابلة الذين يعيشون على هامش الحياة ويعتمدون في حياتهم على ما يقدمه الآخرون لهم فهم لا يفعلون شيئاً ينفعهم أو ينفع الآخرين وإنما يتلذذون بحياة الكسل.
ويبقى لكل عصر تنابلته وما يختلف هو الأسلوب وتجليات هذه الظاهرة.