في دوامة الحياة، نواجه العديد من الشخصيات المختلفة التي تتراوح بين الطيبة والشر والتواضع والغرور، وبين الاهتمام بالآخرين والانغماس في الذات. ومن بين هذه الشخصيات، يبرز الشخص النرجسي ككيان يستحوذ على الأضواء ويتصدر الحوارات والأحداث فهم يتمتعون بكاريزما قوية وقدرة استثنائية على جذب الانتباه وإثارة إعجاب من حولهم، كما يستخدمون الكلام الجذاب والحركات الجسدية المؤثرة للفوز بتفضيل الآخرين. لكن هل يمكننا القول إن حب الذات والنرجسية هما نفس الشيء؟ حب الذات، هو مفهوم يعود جذوره إلى الفلسفة الإغريقية القديمة، وهو القدرة على تقدير وقبول الذات، ويعكس الثقة والاحترام الذاتي، ويعتبر حب الذات أساسا صحيا للنمو الشخصي والسعادة الداخلية، كما يعمل على تعزيز الثقة والتفاؤل والقدرة على التعامل مع التحديات والمصاعب في الحياة. إنه يخلق قوة داخلية تساعد الفرد على تحقيق أهدافه وتطوير علاقاته بشكل إيجابي. أما اضطراب الشخصية النرجسية فعبارة عن حالة مرَضية تؤثر على الصحة العقلية للمريض، الذي ينتابه شعور مبالغ فيه بأهميته، فهي حالة تتميز بالتفكير المفرط في الذات. هو كائن يعيش في عالمه الخاص، يعتبر نفسه مركز الكون ويتوقع أن يكون كل الانتباه والتقدير والإعجاب موجهًا نحوه. يعتقد النرجسي أنه أكثر أهمية من الآخرين لأنه فريد ومتفوق عنهم، ويسعى جاهدًا للتأكيد على ذلك، ويفتخر بمظهره وإنجازاته الشخصية، بينما ينظر إلى الآخرين بنظرة استهانة واستخفاف وبالتالي فهو يتجاهل وجهات نظرهم ومشاعرهم واحتياجاتهم ومن السهل عليه انتقادهم وإحراجهم، ويحاول فقط استغلالهم لتحقيق أهدافه الشخصية. لكن وراء هذا القناع من الثقة المفرطة هم ليسوا متأكدين من تقديرهم لذواتهم، ويمكن أن ينزعجوا بسهولة من أقل انتقاد، ويعكس هذا السلوك سطحية وضعفا في الثقة الحقيقية بالذات. الشخص النرجسي قد يكون ذو قدرات إبداعية وقيادية بارزة، لكن العالم بالنسبة له مجرد مسرح لتأكيد قوته الشخصية، كالمرآة السحرية التي تعكس صورته وتجذب الأضواء نحوه، ويتغذى على الإشادة والمديح المستمر من الآخرين. الشخصيات النرجسية من أكثر الشخصيات المبهرة في بدايات العلاقات، يقوم بإغراق ضحيته في جو عاطفي جدا وتُسمى مرحلة “العصف العاطفي” وقد يصل إلى درجة الولع والافتتان بالضحية، بعد أن يتأكد من أنه قد تمكن من السيطرة على مشاعرها وأنها قد أدمنت وجوده واهتمامه بها، يبدأ في “مرحلة الفتور”، وهي مرحلة يسحب فيها النرجسي كل الاهتمام الذي كان يغرق ضحيته فيه، ويبدأ بمراقبتها وهي تائهة من دونه. النرجسي شخصية خبيثة، إذا لاحظ أنك ستتحسن بالابتعاد عنه سيعود إلى مرحلة العصف من جديد، ولإنك لا تعرف حقيقته ستستجيب وتصدق أنه قد ندم وأنه سيتحسن، لكن هيهات أن يفعل؛ فهو ينظر إلى الآخرين على أنهم مجرد أدوات لتلبية احتياجاته الشخصية بمنتهى الاستغلال العاطفي والاهتمام الذاتي المفرط، وبالتالي فإن علاقاته تكون سطحية وخالية من العمق الإنساني، دون أن يشعر بأي تقصير أو ندم. إذا قمت بمطالبته بحقوقك أو مواجهته بأخطائه سيدخل في مرحلة “الصمت العقابي” وهي مرحلة يُقاطعك فيها تماما، كنوع من التأديب. يسبب اضطراب الشخصية النرجسية مشكلات في كثيرٍ من نواحي الحياة، كالعلاقات الشخصية والأسرية، وعلاقات الزمالة في العمل وكذلك مع الأصدقاء الذين سرعان ما ينفضوا من حوله. قد يشعر المرضى المصابون باضطراب الشخصية النرجسية بالتعاسة وخيبة الأمل بشكل عام عندما لا يتم منحهم الامتيازات الخاصة أو الإعجاب والتكريم الذي يعتقدون أنهم يستحقونه، ويتوقعون الحصول عليه حتى بدون إنجازات. في أغلب الأحيان تكون علاقاتهم مضطربة وغير مُرضية، ولأنهم يعانون من شعور دائم بالفراغ وعدم وجود الذات الحقيقية، يدخلون في دوامة من الإحباط والتوتر الداخلي، مما ينعكس سلبا على العلاقات الشخصية والمهنية. ومن الأعراض المرضية أيضا: – الإيمان بأنهم متفوقون على الآخرين وأنهم لا يمكنهم قضاء أوقاتهم إلا مع أشخاص مميزين مثلهم ولن يستطيع فهمهم سوى المميزين من أمثالهم. – الانتقاد الدائم والتعامل بتعالٍ مع توقُّع الحصول على خدمات خاصة وتوقُّع أن يفعل الآخرون ما يريدون منهم دون طلب ذلك. – عدم القدرة أو عدم الرغبة في تمييز احتياجات الآخرين ومشاعرهم. – حسد الآخرين والاعتقاد أن الآخرين يحسدونهم. – التصرف بطريقة متعجرفة والتباهي كثيرا والغرور. – الإصرار على الحصول على الأفضل في كل شيء، كأفضل سيارة أو أفضل مكتب على سبيل المثال. في الوقت نفسه، يواجه الأشخاص المصابون باضطراب الشخصية النرجسية صعوبة في التعامل مع أي خطاب يعتبرونه نقدا. وقد تلاحظ عليهم ما يلي: – نفاد الصبر والغضب عندما لا يتلقون تقديرا أو معاملة خاصة. – مواجهة صعوبات كبيرة في التعامل مع الآخرين والشعور بأنهم مُهمَلون بسهولة. – الغضب من الآخرين وازدراؤهم ومحاولة التقليل من شأنهم لجعل أنفسهم يبدون أعلى شأنا. – مواجهة صعوبات في التعامل مع عواطفهم وسلوكياتهم. – مواجهة مشكلات كثيرة في التعامل مع الضغوط والتأقلم مع التغيير. – الانسحاب من المواقف التي قد يفشلون فيها أو تجنُّبها. – الشعور بالاكتئاب وتقلب المزاج لأنهم ليسوا على قدر الكمال الذي كانوا يتخيلونه. – الشعور الخفي بعدم الأمان والخزي والإهانة والخوف من التعرض للفشل. ومحاولة التغلب على الشخص النرجسي تنتهي عادة بالفشل، لأن الشخص الوحيد الذي يهزم النرجسي هو الشخص الذي لا يحاول هزيمته، لأنه بذلك لا يغذي شعوره المتزايد بالأهمية وأن العالم يدور من حوله. من المهم أن نعرف أن الابتعاد عن النرجسي قد يكون السبيل الأمثل إذا شعرت أنه يؤذيك ويؤثر سلبا على حياتك، لكن إذا اضطررت، للتعامل معه فيجب أن تعرف أن أقوى سلاح ضد الشخص النرجسي هو عدم السماح له باستغلالك، أن تضع حدودا له وتخبره أنك لن تتسامح مع سلوكه. إذا طلب منك شيئا لا تريد القيام به، فقل لا، وإذا حاول السيطرة عليك، فتوقف عن التفاعل معه ولا تحاول تغييره، فالنرجسيون لا يغيرون سلوكهم بسهولة، من الأفضل التركيز على حماية نفسك من سلوكه؛ فعندما تكون على دراية بخصائص النرجسي وكيفية تفكيره، يمكنك أن تحمي نفسك من تأثيره المدمر الذي يمارسه عليك. كما أن حبك لنفسك هو الشيء الذي لا يمكن للنرجسي أن يقاومه، عندما تحب نفسك وتقدر نفسك، لن تكون عرضة لتأثيرات النرجسي، لن تحاول إرضاءه أو تجنب غضبه، ستكون قادرا على رؤية حقيقته وتكون حازما معه وتضع حدودا له، تحتاج أيضًا أن تكون على دراية بحيل النرجسي وأن تتعلم كيف تتصدى لها، كما يمكنك طلب المساعدة من أخصائي ليساعدك على فهم ما يحدث لك، وتطوير استراتيجية للتعامل مع النرجسي. تذكر أنك لا تستحق أن تُعامل بهذه الطريقة المهينة. أنت تستحق أن تُعامل باحترام وحب وتقدير. إذا لم يكن الشخص النرجسي مستعدا لتغيير سلوكه، فمن الأفضل أن تبتعد عنه لأنه قاتل بطيء؛ فأسوأ ما في النرجسي أنه لا يعترف بحاجته للعلاج النفسي، وهو من أفشل المرضى لأنه لا يعترف بمشكلته أصلًا، بل يحاول جعل الجميع سبب في الخطأ بل ومرضى، الا هو. مصدر المعلومات الطبية النشرة الطبية الرقمية لمايو كلينك ومدونة أسأل