كتبت /زينب سالم
من ألطف ما قرأت لكم.
أرسل أحد قدامى الملوك اثنين من أبنائه مع أحد مستشاريه لتعلم الآداب العامة وفنون التعامل مع الناس ” الاتيكيت كما يسمى في عصرنا “.
وبعد أن صحب المستشار ابني الملك شهرين وهو يعلمهما كل ما يجب على أبناء الملوك معرفته من آداب ومنها آداب الضيافة والمائدة، طلب منهما أن يتركاه ويذهبا سوية إلى أقرب قرية إليهما.. وأن يطرقا باب أي منزل يريدانه بصفتهما ضيفين .
عمل ابنا الملك بما قاله المستشار وكانا ضيفين لدى صاحب مسكن في طرف القرية.. قدم لهم ما لديه لضيافتهما وباتا عنده ثم انصرفا عند بزوغ الفجر ..
قدم ابني الملك إلى المستشار فسألهما ماذا وجدتما لدى من استضافكما من آداب تعامل بها معكما؟
قال الإبن الأول:
لقد إستقبلنا وثيابه متسخة وهو يحمل الحطب في يده، وأقبل أطفاله نحونا يتحدثون معنا وكأنما لم يروا أناسا قبلنا، وعندما وضع لنا الطعام وضع ثلاثة أنواع منه، إلا أنه جاء ببعضه منقوصا من الأطراف، وأوانيه لا تناسق بينها، بعضها مكسور من أطرافه ، وجعل أطفاله يتحدثون إلينا دون أن ينهرهم وهو يضحك لحديثهم معنا، وعندما جاء وقت النوم جاء لنا بأغطية وفرش يتبين من رائحتها بأنه وأطفاله ناموا عليها وإلتحفوها بالأمس.
أنني أرى أن أهل القرى يحتاجون لتعلم آداب الضيافة، فما فعله استهانة بضيوفه وعدم مبالاة.
نظر المستشار إلى الابن الثاني وسأله: وأنت، ماذا رأيت؟
قال الابن الثاني :
من شدة فرح الرجل بنا إستقبلنا وثيابه متسخة وهو يحمل الحطب في يده، فلم يذهب لتبديل ملابسه ولا وضع حطبه حتى لا يتأخر علينا عند الباب، وقد انطلق أطفاله نحونا يقبلون رؤوسنا ويتحدثون إلينا وكأنما نحن عائلة واحدة، وعندما وضع لنا الطعام وضع ثلاثة أنواع منه، ومن الواضح أنه كل الطعام المتوفر لديه تلك الليلة في منزله، وكأنه أخذه لأجلنا من أمام أهله وهم يأكلون لأن بعضه كان منقوصا من الأطراف، وقدمه لنا في أوانٍ لا تناسق بينها وكأننا من أهل بيته أو أقرب أقاربه، ويتبين من الكسور التي في أطرافها بأنها تُغسل دائما بما يعني بأنه دائم تقديم الطعام لضيوفه، وجعل أطفاله يتحدثون إلينا بأحاديث جميلة أضحكتنا وجعلتنا نحسّ بأننا نتسامر مع أهلنا، وعندما جاء وقت النوم جاء لنا بأغطية وفرش يتبين بأنها كل ما يملكه له ولأطفاله.
أنني أرى أن الرجل من كرمه وحسن أدبه جعلنا نحسّ ونحن عنده بأننا بين أهلنا، وأرى أننا يجب أن نتعلم آداب الضيافة من أهل القرى، فما فعله الرجل غاية في الاحترام لم نشعر معه بأننا غرباء.
نظر المستشار إلى الابن الأول قائلا:
انك لم تتعلم، وللأسف لن تستطيع ذلك أيضا.
ثم نظر للثاني قائلا:
أما أنت فقد أيقنت أن الآداب (الإتيكيت) ليست أن يتأدب الناس معك في ما يقدمونه وما يفعلونه لضيافتك، إنما كيف تتأدب أنت في فهمك للناس، وإنتقالك من الإنتباه للأواني وما تحويه إلى الإنتباه للأنفس وما تحويه أو تبديه.