مسجد محمد علي بالقلعة
بقلم : إبراهيم أحمد موسى ..
يعد هذا المسجد العظيم بحكم موقعه من أفضل مميزات مدينة القاهرة ، فهو مظهر من مظاهر أخلاق وروح مؤسس مصر الحديثة ؛ حيث يجمع بين القوة والعظمة والفخامة وجمال الذوق وحسن الأختيار .
بدأ صلاح الدين مسجد محمد علي بالقلعة في بناء قلعة الجبل عام (٥٧٢ ه – ١١٧٦م) ، وتم بناؤها في عهد الملك الكامل بن العادل عام ( ٦١٤ه) ( ١٢٠٧-١٢٠٨م) ، واتخذها مقراً للملك وسكناً له ولمن تبعه من الأمراء والحاشية .
وقد عني محمد علي باشا بالقلعة فأصلح أسوارها وأنشأ بداخلها قصور الحريم والمسك وديواني الجهادية والمدارس ودور الضرب والصناعة والطباعة ومصانع الأسلحة وصب المدافع ومعدات الفرسان والمشاة ، كما أنشأ بجوارها دار المحفوظات .
ولما أنتهى من هذه الإصلاحات ؛ رأي إنشاء مسجد لأداء الفريضة وليكون مدفناً له ، فعهد إلى المهندس التركي «يوسف بوشناق» بوضع تصميم له ، فاختار مسجد السلطان أحمد بالآستانة ، واقتبس منه مسقطه الأفقي مع تعديلات بسيطه .
بدأ العمل في هذا المسجد عام (١٢٤٦ه ./ ١٨٣٠م.) ، واستمر العمل حتى توفي محمد علي باشا عام (١٢٦٥ه./١٨٤٩م.) ، ودفن في المقبرة التي أعدها لنفسه بداخل المسجد .
” وصف المسجد “
يمتاز هذا المسجد بتأثير الفن البيزنطي على تصميمه ؛ فهو مربع الشكل طول ضلعه من الداخل ٤١م ، تتوسطه قبة مرتفعة قطرها ٢١م ، وارتفاعها ٥٢ م من مستوى أرضية المسجد محمولة على أربعة عقود كبيرة متكئة أطرافها على أربعة أكتاف مربعة يحوطها أربعة أنصاف قباب في كل جهه نصف قبة ؛ خلاف أربع قباب أخرى صغيرة بأركان المسجد ، ونصف قبة تغطي بروز القبلة من الجنب الشرقي ، ويحازي الجنب الغربي صف من الأعمدة المتكئة عليها عقود حاملة لسقف دكة المبلغ ، وكسيت جدران المسجد والأعمدة بالرخام الوارد من محاجر بني سويف ، ويعلو الكسوة من الداخل بياض عليه نقوش مختلفه ذات ألوان متجانسة يتخللها التذهيب في أماكن متفرقة ، أما القباب فقد حليت بزخارف بارزة منقوشة ومذهبة.
وعلى يمين مدخل القبلة منبر جميل من الخشب المشتمل على زخارف بارزة محلاة بالذهب الخالص ومكتوب على بابه ” أفضل الأيام عند اللّه هو يوم الجمعة “ وعلى باب الروضة الأيمن ” يا قاضي الحاجات“ والأيسر ” يا مجيب الدعوات “ ، وفي الزاوية القبلية ضريح محمد علي ، تعلوه تركيبة من الرخام الأبيض تحيط بها مقصورة جميلة من النحاس المحلى بالزخارف البارزة المذهبة .
وللمسجد ٣ أبواب يتوسط أولها الجنب البحري ، وثانيها الجنب القبلي ، وثالثها الجنب الغربي وينفذ إلى صحن ، وهو فناء كبير مساحته ( ٥٣ ×٥٤ م) ، يحيط به أربعة أروقة ذات عقود محمولة على أعمدة من الرخام ” الألبستر “ ومسقوفة بقباب صغيرة منقوشة من الداخل ومغطاة من أعلاها بألواح من الرصاص ، وبوسط هذا الصحن قبة محلاة من الداخل بنقوش مختلفة الألوان قائمة على ثمانية عقود متكئة على أعمدة رخامية يعلوها رفرف من الخشب المحلى بالزخارف البارزة المموهة بالذهب الخالص ، وتحت هذه القبة ؛ قبة أخرى صغيرة قائمة على قاعدة ثمانية الأضلاع بها صنابير للوضوء وجميع ذلك من الألبستر المحلى بالزخارف .
وعلى الجنب الغربي للمسجد تقوم مئذنتان بأرتفاع ٤٨ م من مستوى أرضية الصحن و ٦٠ م من مستوى سطح المسجد ولكل منهما دورتان ، وفي الرواق الغربي للصحن برج من النحاس المخرم والزجاج الملون بداخله الساعة الدقاقة التي أهديت إلى محمد علي من ملك فرنسا لويس فيليب عام ( ١٢٦٢ ه ./١٨٤٥م)
. كما حليت أجزاء كثيرة من المسجد بآيات من القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة والنصوص التاريخية قد كتب بعضها بالخط الفارسي ، والبعض الآخر بالخط الثلث ، وفي طراز أعلى الشبابيك حول وجهات الجامع قصيدة بالخط الفارسي تبتديء على يسار الباب البحري للصحن ،وتنتهي على يمين الباب البحري للصحن ، وفي خصرى عقد نصف القبة التي تعلو المحراب دائرتان كتب في أولها ” لا إلٰه إلّا اللّه ” وفي الثانية “محمد رسول اللّه”
وبخواصر القبة الكبرى أربع دوائر مكتوب بداخلها أسماء الخلفاء الراشدين.
. ومن الفخر أن كان تنفيذ هذا العمل العظيم الذي تجلت فيه روعة الفن ودقة الصنع على أيدي الفنيين المصريين ، وكان البدء فيه على عهد الملك ” فؤاد الأول ” ، وأتمامه في عهد الملك ” فاروق الأول “، حيث قام الملك ” فاروق الأول ” بأفتتاحه للصلاة في يوم الجمعة الموافق ٥ محرم ١٣٥٨ ه.