بوابة الجمهورية الاخبارية موقع اخباري شامل يضم كافة الاخبار المحلية والعالمية واخبار الاسعار والحوادث والتقارير الاخبارية

لي بيت هناك بقلم الكاتبه الراوئية.. بشري ابو شرار

- Advertisement -

لي بيت هناك

بقلم الكاتبه الراوئية.. بشري ابو شرار

لحظة وصول صوته عبر الهاتف , يرد الصدى , يقول لي :

_ لا أحد .

_ أين ذهبوا ؟!

_ لحقوا بالجموع لحظة تناثرت على بيوتهم نشرات تحذرهم من البقاء , وأنهم ان بقوا ستنسف بيوتهم على رؤسهم , أنا جئت إلى بيت خالي , قلت له ” اذهب وزوجتك وأحفادك الصغار وأنا باق هنا ”  صرخت أمي , صارت تهذي أنها لن تتركني وحيدا , صرت أنا وهي في ردهات داركم خالتي الغالية , لم يبق سواي وهي تركن إلى مقعدها ما بين الصحو والبكاء .

هي شقيقتي ” بهادر ” وكأن دمعاتها تغرقني , تلاحقها الغارات والقنابل الحارقة منذ طفولتها , وصيف 67 كانت تصرخ في فراشها , تصارع الخوف والضياع , يسرع اليها والدي من قلب العتمة يضمها اليه , يهدىء من روعها , وأنا إلى جوارها ألتمس بعضا من أماني حيث أبي الذي لم يتوقف قلبه عن ازاحة الخوف من قلوبنا , واليوم يمضي الوقت والسنوات وكأن ” بهادر ” على ذات موعدها معهم , قصف ونيران وزلازل من أتون حقدهم واجرامهم , عادت تصرخ , وعاد حضن ابنها يحتوي هذيان روحها وقلبها .

ساد سكون باكي وقبل أن تسقط دمعة يصلني صوته :

_ لا تخافي خالتي أنا لي قلب أسد .

_ منذ سنوات بعيدة لم آت إلى بيتنا يا ” نسيم ” لكني تركت مطارح أقدامي هناك , حيث أنت .

_ هل لي أن أعيدك من جديد خالتي وآخذك هنا , حيث أنا وأمي , قد يزور قلبها الفرح .

_ كيف ستعيدني يا نسيم ؟ كيف ؟!!

_ لدي بطاقة شحن في هاتفي قبل أن تحتله العتمة سأصور لك البيت وكأنك هنا , بيننا , وآخذك إلى كل مكان فيه , سنستعيد الفرح ونستعيد روح الحياة .

***   ***

سكت الصوت وبدأت عين الكاميرا تفك قيدها وتمرح في براح بيت لا زال يقاوم الكسر والقهر والدمار , يقاوم من روح أبي الذي بنى وزرع وترك لنا حصاد زرعه ليرثه الأبناء والأحفاد , جيل بعد جيل , يقف ” نسيم ” على أول ممر دارنا الذي تظلله عريش داليات عنب زرعتها يد أبي , الأخضر يسكن سماء ممر بيتنا الطويل , داليات العنب تعانق أوراق شجر البرتقال وتركن إلى سكونها حيث حبات زيتون حان وقت قطافها , هو زيتون بيتنا , هي داليات العنب , هو شجر البرتقال الذي كانت تضمني أغصانه , حين كنت أرتقي إلى أعلى فروعه أعانق زرقة السماء وأقطف البرتقال , أزيح قشوره لتصير حباته في يدي وأنا أجلس أعلى الشجرة حيث فضاء بيتنا الذي غزله أبي من روح الأخضر , ذهبت الكاميرا خلف الدار ونسيم يسابق خطواته حيث شجرة التين التي كان أبي يقطف من ثمارها , يناولنا حبات التين وهو يلاحق خطواتنا وألعابنا في حديقة من روحه وقلبه , وفي الزاوية البعيدة بيت الحمام الذي بناه أبي , فتحات بيوت الحمام تحوط ظهر بيتنا , ينشد الحمام في الصبح أنشودة وطن , ويحط في بيت بناه أبي يعانق سلامه وسكينته ….

-- Advertisement --

***    ***

عين الكاميرا لا زالت تدور هناك , غرفة الخزين التي كنت أذهب إليها وأنسج من زواياها خيالات وشخوص أتحدث اليهم وتكبر حكايات من خيال حيث حجرة خلف بيتنا , هناك تركت أبطال الحكاية في علب كرتونية ومقاعد خشبية لا زالت هناك وهم لا زالوا ينشدون حكايات كتبناها معا , قد تعود اليهم من كتبتها معهم , قد تعود …

***   ***

 

عين الكاميرا وقد فك قيدها تذهب إلى سور بيتنا الذي لا زال يحفظ مطارح مجلسي عليه وأنا أرنو إلى حديقة جيراننا , كان لديهم بركة ماء , كنت أسأل ” لماذا لم يبن أبي بركة ماء كما جيراننا ؟!!.. ” بنات جيراننا ما أن يرونني في مجلسي حتى أراهن أمامي يقفن يتحدثن معي , عن أخواتي في الدار , عن أمي وعن أحوال دراستي , كن يقطفن لي حبات الكرز والتفاح , سور بيتنا كان يعتلي حديقتهن , تمتد أيديهن وهن يكبشن حبات الكرز لتركن إلى راحة يدي , هي ثمار حديقة زرعتها يد والدهن , حكايات لنا لا تنته , وصوت ضحكاتنا لا زال تعانق سور بيتنا وزهرات حبات الكرز …

***   ***

تمضي عين الكاميرا حيث شجرة زيتون وشجرة لوز تطل من حديقة الجيران وشرفة بيتنا ودرجات تتماهى وبداية ممرنا الطويل , مجلسنا على حافة درجات الشرفة في صحبة أمنا نجلس وضحكات الحب لا تغادر وكيف كنا نذكر بعضنا بأن لا نقطف قطوف العنب وهي خضراء حتى يكتمل نضجها  كما كان ينبهنا والدي , في مجلسنا نرنو إلى دالية عنب تحمل قطوفها بطعم المانجو زرعتها يد والدي وأضاف اليها عبق المانجو فصار عنب بطعم المانجو …

***   ***

هو باب بيتنا الحديدي الذي ينتهي عند آخر ممرنا الطويل , اختي ” بسمة ” حين كانت تتعلق به , تدفعه بقدمها الصغيرة فيذهب بها بعيدا ويعيدها مرة ومرات وأنا حين أجده موصدا أتعلق بحلقاته وأسقط جسدي داخل البيت , فيتلقفني ممر بيتنا الطويل …

على حافة ممرنا أجلس تحت ظلال تكعيبة العنب ومن حولي اوراق شجر الليمون , أرنو إلى حباته وهي تعانق خيوط الشمس ,

تحت جدار شرفتنا توقفت عين الكاميرا , المقاعد الخشبية صارت خواء وفنجان قهوة أمي رحل عن طاولتها , أمي وأحاديثها التي تظللها شجرات البرتقال …

***   ***

عين الكاميرا توقفت على حافة مقعد كانت تجلس عليه أمي , أكتب إلى نسيم :

_ أين أنت ؟!

لا أحد … يصلني صوت هدير الطائرات وارتطام صواريخهم على أرض لم تغادر ربيعها , هي نيران حقدهم , فصار الوقت حريق , هي دقائق وسكن الصوت وعاد نسيم يكتب لي :

_ أنا الآن في زاوية معتمة في داخل الدار , كادت نيران قذائفهم أن تلاحق خطواتي وعدسة هاتفي , لكني لن أتوقف وسأرسل لك من ذاكرة مكان نعشق مواقيته , أنا هنا في حجرة جدي في الطابق العلوي , عادت عين الكاميرا تأخذني حيث سرير والدي وشباك غرفته الذي منه كنت أرنو لداليات عنب كما بساط أخضر يتمدد حتى يعانق جدران البيت ويعتلي شباك حجرته , سرير والدي خاو لم يعد في حجرته أحد , عين عدسة التصوير غادرت حجرته حيث حجرتي التي كانت إلى جواره , هناك رأيت سريري وكتبي ونافذة كنت أتنفس منها عبق وطن لم يغادرني …

-- Advertisement --

Leave A Reply

Your email address will not be published.