كورونا درس للعالم…شاهد..مسيحيو فلسطين يقضون أعيادهم في المنازل
متابعة سها جادالله…
استجابة لحالة الطوارئ، التي تمر بها البلاد؛ للحد من انتشار فيروس (كورونا)، تم إغلاق كافة الكنائس الفلسطينية، وعلى رأسها كنيسة القيامة بالقدس، وكنسية المهد في بيت لحم،، ما زرع الغصة في قلوب المسيحيين، كما فعل أيضاً مع إخوتهم المسلمين، إثر إغلاق المساجد، مع اقتراب شهر رمضان الفضيل.
تلك الغصة شعر بها المسيحيون بشكل كبير بالأحد السابع من الصوم الكبير والأخير قبل عيد الفصح (عيد الشعانين) وهو يوم ذكرى دخول يسوع لمدينة القدس، وتلتها (الجمعة العظيمة) وهي احتفال ديني بارز، يستذكر المسيحيون خلاله صلب يسوع وموته في الجلجثة ودفنه، وتعتبر جزءًا من الاحتفالات بعيد القيامة، بحسب التقاليد المسيحية.
وصادف الليلة (سبت النور) حيث كانت تزدحم كنيسة القيامة بالقدس، بعدد كبير من الزوار من كافة الجنسيات (اليونانية، الروسية، الرومانية، الأقباط، السريان)، بالإضافة للفلسطينيين بانتظار انبثاق النور المقدس، حسب المعتقدات المسيحية، ليأتي اليوم الأحد (عيد الفصح)، ولكن بسبب حالة الطوارئ، والحجر المنزلي، قضى المسيحيون بفلسطين تلك الشعائر والاحتفالات بمنازلهم، مع شعورهم بالوحدة والحزن.
تحدث الأب مانويل مسلم، راعي كنيسة اللاتين في غزة سابقًا، وعضو الهيئة المسيحية الإسلامية لنصرة المقدسات، مع “دنيا الوطن” عن حال المسيحيين خلال هذه الفترة الصعبة قائلاً: هذا العام استثنائي جداً، لم يمر بالتاريخ ولن يمر، حيث إن (الكنائس فارغة)، حيث لا يوجد فيها سوى (الكاهن) بالإضافة لـ (راهبة) أو اثنتين، حيث يقيمون ثلاثتهم كل الصلوات والأعياد، وكأن الكنيسة مليئة.
وأضاف الأب مسلم: “الحزن الحقيقي أنه لا معنى للكنيسة إلا بأهلها، كما أنه لا معنى للجامع إلا بأهله، الجامع والكنيسة لا يصبح لهما معنى، ولا تصبح بهما روح الجماعة إلا بالناس، وروح الجماعة كما يقول (السيد المسيح) حيث اجتمع اثنان باسمه أكون أنا بينهما، يعني أن صلاة الجماعة تضع الله في الوسط، الله مع الجماعة”.
وأكمل: هذا الحزن الذي تميزت به كنائسنا اليوم، رغم أن جميع الصلوات أقيمت، لكن المسيحي خارج الكنيسة لم يشعر أنه منتمٍ إلى كنيسة، وبدأ يشعر بأنه مفصول عن الكنيسة، وليس له مع القدس، خاصة هذا الاتصال الروحي، تجري في القدس احتفالات وهو خائف، تجري في القدس احتفالات وهو حزين، الشعور داخله أنه يجب أن يكون في القدس، ويجب أن يكون في كنيسة القيامة؛ ليشارك في تحدي (الشعانين) وفي المهرجان الروحي بصوته ووجوده، ولكنه أصبح مهاجراً عن كنيسته.
وأشار إلى أن الكهنة في (أحد الشعانين) هم من خرجوا للشارع وللناس، الكنيسة ذهبت إلى الشارع وليس الشارع هو من ذهب للكنسية كالمعتاد، موضحاً أن الشرطة الفلسطينية، كانت تحرس الكهنة بسيارات مزينة بأغصان النخيل والزيتون، ليتنقلوا من منزل إلى آخر يوزعون أغصان الزيتون على الناس، ومكبرات الصوت، تصدح بالأغاني والتراتيل، وبهذا شاركت الكنيسة أهلها.
وقال الراعي السابق لكنيسة اللاتين بغزة: انا كرجل دين متقاعد في منزله، قمت بمراسيم الكنيسة مع عائلتي، أخي وزوجته وأبنائهم، وقمت أنا بمسير أحد الشعانين في البستان وحول المنزل، وقمنا بالدوران لمرة واحدة حول شجرة الزيتون، ورتمنا الترانيم التي تُقال، وتُصلى في أحد الشعانين في القدس، شعرت أن أهلي بحاجة لأن يكونوا جماعة.
واستطرد: ” من شاهدوا الفيديو تمنوا لو كانوا قادرين على الوصول لنا، المشي معنا في ساحة المنزل، وأخذت مواقع من الأردن وسوريا وفرنسا هذا الفيديو، ونشرته على أساس أنه أمر مميز وخاص، كيف استطاع الخوري ممارسة الشعائر برغم الوضع”.
وتعود جذور طقس غسل الأرجل في المسيحية إلى الكتاب المقدس، حيث قام يسوع بغسل أرجل تلاميذه خلال العشاء الأخير، وقد انفرد إنجيل يوحنا بتفصيل ذلك الحدث، ويضيف على لسان يسوع، أن سبب الذي دفعه للقيام بغسل أرجلهم هو تقديم مثال بالتواضع وتبيان أهمية خدمة الآخرين والمساواة بين جميع الناس، وقد فسّر لهم ذلك بالقول: “ليس عبد أعظم من سيده ولا رسول أعظم من مرسله، فإن كنتم قد عرفتم هذا فطوبى لكم إذا عملتم به”.
وأوضح أن الاحتفالات في الكنيسة يوم (السبت النور) والذي يصادف اليوم، تكون عبارة عن مهرجان عظيم في العالم المسيحي كله، حيث تأتي الطائرات من دول العالم، روسيا وأوروبا ومن أسيا وأمريكا، حيث تأتي الطائرات، وتأخذ النور من القدس، وتنقله إلى بلادهم.
وأكمل: في فلسطين التاريخية أيضاً ينتظر جميع الكهنة الساعة التي يأتي فيها النور، ينتظرونه خارج الكنيسة، ويمشون به مسيرة مع النور إلى الكنيسة، ويقام هناك احتفال (عيد النور)، وهذا ما فقده العالم هذا العام، يجب أن يفهم العالم (إذا القدس مغلقه فالعالم كله مُغلق)، إذا القدس بسلام فالعالم يشعر أن هناك سلاماً، لذا (كورونا) جاءت كمعلم “أنتم تهملون القدس وتهملون فلسطين وفرحتها، لذلك إذا القدس أغلقت أنتم لم تستطيعوا الاحتفال بالعيد والصلاة”.
وكشف أن المسيحيين حالياً بحالة انتظار، ربما يستطيع أحد الشباب أو أحد الكهنة أن يصل القدس، ويجلب النور إلى القرى الفلسطينية، إذا خرج النور من القدس إلى بيت لحم أو رام الله فإن جميع الكنائس، سوف تأتي وتأخذ النور، وستشعل النور في الكنائس، متمماً: “العائلات تحضر حالياً بالسرج والشمع، حين يدور الكاهن في الشارع مع النور، تستطيع الناس في المنازل أخذ النور من الخوري لمنازلهم”.
وتحدث الأب مانويل مسلم عن (خميس البيض) عشية أحد الفصح، وهذا اليوم الذي تتشارك فيه عدة أديان، حيث يتم تلوين البيض بألوان زاهية ومزركشة بعد سلقه، ويقوم كل شخص بالتنافس مع الآخر ومحاولة كسر البيضة، والذي يفوز يكسب بيضة الخاسر، ويقوم الناس بالتجمع في المنازل والكنائس، وهذا ما سيحرم منه المسيحيون أيضاً.
واستطرد: نأمل أن يحتفل به الجميع في منازلهم، أنا سأقوم بعد ساعات بسلق البيض وتلوينه وتخبئته في البستان، وإعطاء الفرصة للأطفال للبحث عنه في البستان، وكل واحد فيهم معه سلته الخاصة، كم يجد من البيض فهو له، وهذا يضفي نوعاً من الفرح، كانت هذه الفعالية في الكنيسة في وجود من 200 إلى 300 ولد، ويسلق ما يقارب الـ 2000 إلى 3000 بيضة، ولكننا سنفعلها اليوم بأعداد قليلة.
وختم: هذا وضع كنائسنا هذا العام، لقد شعرنا كمسيحيين بحاجتنا للصلاة وللتجمع، وللركوع أمام الله لطلب الرحمة، الشخص المتعنتر، الذي كان يرى نفسه شيئاً كبيراً، الآن يرى كم هو ضعيف أمام مرض صغير، وهو بحاجة إلى الله كي يخلصه.