لقد عشتها ، كل تلك الأوقات التي من ثقلها تظن انها لن تمر دون أخذ انفاسك معها ،و لحظات الضعف و الإحباط التي تظن ان لا قائمة لك بعدها …لقد وصلتُ الى تلك المرحلةٍ التي يصعب عليك التعرف على نفسك و خباياها ، و كل التغييرات التي تطرأ عليك و تجعل منك انسانا من صنع ماضيه .
تغير فيَّ كل شيء ، حتى روحي الجميلة تشوهت ،و رغم ذلك بقي داخلها ذلك الوميض الدافئ الذي عجزت قسوة الزمن عن اطفاءه …عجزت لأنه ليس وميضا عاديا …انه يختزل كياني و نفسي و قلبي و روحي …ذلك الوميض هو انا و كل شيء آخر ،ليس سوى شخصيات متنكرة اختفي خلفها حتى لا أضيع كليا في ضجيج و زحمة عالم مزيف….
لقد كنتُ يوما ما ، وطنا للغرباء ، و منبع كرمٍ لا يكف عن العطاء ….للأصدقاء الإخلاص و الولاء …و للحبيب كل شيء دون استثناء..و للمقربين ، لكلٍّ ما يطلب و ما يشاء…..
أكبر غلطة هي أني لم اكن افكر في حقوقي بقدر ما افكر في واجباتي تجاه الآخرين ..
كنتُ أسمعهم يتغنون بطيبة قلبي و سذاجتي ، طبعا !!فأنا لم أكن أعرف أن اقول كلمة (لا) و لم اكن اعرف كيف أُخيب ظن احدهم ، فكنتُ احيانا أضحي بسعادتي من اجل إسعاد من أحبهم ، و كنتُ احاول كل جهدي لإرضاء كل الخواطر حتى و لو على حساب كسر خاطري …
و مع مرور السنين بدأتُ افرغ رويدا رويدا ، و أدرك أن الطيبة هي أكبر نافذة في كيانك يتم اختراقك من خلالها و استغلالك حد نزيف الروح….
استفقتُ يوما ما و قلتُ لنفسي تبا للجميع…انقلبتُ على كل من يأخذ مني ولا يعطيني شيئا ، لساني الذي كان معقودا بالكتمان و الخجل اصبح سليطا و حادا كالسيف ، توقفت نهائيا عن غفران التجاوزات في حقي أو حتى السماح بها ، تخلصتُ من العلاقات السامة التي كانت تؤرقني ، و العلاقات السامة التي لم استطع التخلص منها ، اكويها بنفس سمها ….
التغيير الجذري اشعرني بقوة و راحة و تحرر…اصبح الكثيرون يشتكون مني ، ليس لأني انسان سيء ، بل لأنهم عجزوا عن استغلالي و مص دمائي أو التلاعب بي…
مازال وهجي في عمقي مضيئا لم ينطفئ ابدا ، لكن لا يراه الا من في داخله وهج يشبهه.