كتبت /د رحيل غالب
في كتابه “رقعة الشطرنج الكبرى: السيطرة الأمريكية على العالم وما يترتب عليها” للاستراتيجي الأمريكي، يقول “زبغنيو بريجنسكي”: مع انتزاع أمريكا أوكرانيا من روسيا؛ يكون ذلك نهاية النفوذ الروسي، وسقوط أوكرانيا حجّم فرص عودة موسكو لبناء إمبراطوريتها “الاوراسية” من جديد! انطلاقا من هذا التفكير، يمكن استيعاب، استماتة قوى الغرب (الناتو) للقضاء على النفوذ الروسي بانتزاع الدولة التي تمثّل النافذة الاستراتيجية لروسيا نحو نفوذها على محيطها الأوراسي ومن ثم إلى العالم: ( أوكرانيا). فروسيا مؤخرًا باتت قوّة مزعجة للغرب على المسرح الدولي. وهناك خبراء في واشنطن لا يزالون في عقلية الحرب الباردة، ويعملون على ألاّ تقوم قائمة لروسيا، أو الصين، وكل السبل المؤدية لذلك مباحة. ففي تقرير الأمن الاستراتيجي الأمريكي (NSS) للأعوام الماضية، صنفت أمريكا ” روسيا والصين” كأكبر تهديدات للأمن الأمريكي، وما عاد ” الإرهاب” هو المهدد لأمنها. فجميع القوى الكبرى لديها مقاييس لأمنها القومي ودول تراها واقعة في مجال نفوذها، وقد تدخل حربًا في سبيل ذلك. وفي نظر فلادمير بوتين، الجيوسياسية أولاً، وأمام كل شيء! فالجيوبوليتيك -في نظر القوى العظمى- يعطي أهمية قصوى لما يعتبره تهديدا مباشرًا، أو محتملاً لأمنها القومي فقد احتلت أمريكا ولاية تكساس (يقدر 268.596 ميلا مربعا) أكبر من ثلثي دول الخليج العربي، أخذتها من المكسيك بالقوة وضمتها إلى أمريكا، ولها750 قاعدة ومحمية عسكرية حول العالم في جميع القارات تحت تبرير حماية الأمن القومي لأمريكا، وعلى نحو مماثل تحتل بريطانيا بعض من إيرلندا، تحت الذريعة ذاتها، فرنسا أيضًا نشرت قواتها في أفريقيا باسم أمنها القومي. بل تركيا نفسها تدخلت عسكريًا في شمال سوريا مخترقا سيادتها لحماية أمنها القومي، وفي نظر بوتين هو نفسه ما تفعله روسيا. هنا تجدر الإشارة إلى أن القصة أكبر من كونها قضية حق وباطل عدالة أو ظلم؛ بل هي قوى قوية تأخذ ما تريد، وقوى ضعيفة تتذمر، والغرب لا يملك حق احتكار حماية أمنها القومي، فيما يملأ الدنيا ضجيجًا حين يقوم به غيره، لن في أفخاخ الإعلام السائد! أمّا أوكرانيا فتتحمّل نصف الثمن، لأنّها رضيت أنْ تكون دمية الغرب في محاولة احتوائه ، ويحمل الغرب بعض الثمن لتخليه عن حليفه وقت الأزمة! عودةً إلى كتاب “بريجنسكي” فقد حدد في كتابه شيئين مهمين تفيدنا هنا: - 1: نوع الهيمنة الأمريكية التي تحتاجها استرداد العالم. - 2: ما نوع روسيا التي تلائم أمريكا؟ ونعرض في فقرتين ما ذا قال عن الجزء الثاني. في الفصل الرابع من الكتاب! الفصل الرابع: الثقب الأسود دار الحوار في هذا الفصل حول وضع روسيا الجيوسياسي الجديد. أو بشكل دقيق صاغ فيه عملية سقوط هذا الهرم ونتائج ذلك على العالم. وناقش الآثار الاجتماعية التي أحدثتها النكبات التي حلّت بالشعب الروسي مما عجل على حد تعبيره بسقوط امبراطوريتها، وما نتج عنها من الخسارات التي تعرضت لها روسيا واعتبر أن سقوط أوكرانيا حجّم فرص عودة موسكو لبناء إمبراطوريتها “الأوارسية” من جديد وهو بهذا يتعرض للمنافذ السياسية التي أطلت من خلالها روسيا على العالم! في نظر ” بريجنسكي” وهذا التهاوي الذي طرح في بروسيا لمواقع مهمة أثرت فعلاً على سيطرتها الايدلوجية على العالم وهزت بالتالي روسيا. وعليه يقترح لروسيا أنه لمواجهة ضرورات البقاء، عليه أن يتسارع نحو أروربا لملء ما يسميه بـ “الثقب الأسود” في أوراسيا. في الختام: جميع الصراع الدائر حاليًا، ومعركة السيطرة على الأقاليم وضم الموانئ، والتنافس الروسي- الغربي في آسيا الوسطى، وفي أوروبا الشرقية، أو في الشرق الأوسط، وحتى في القارة الأفريقية هو لعبة شطرنج بين الغرب ( لاحتواء النفوذ الروسي المحتمل، وما يمثله من تهديد للعالم الذي سادوا عليه منذ 1991) وروسيا لحماية نافذة نفوذها في العالم، وإعادة هيكلة نظام عالمي جديد.