كتب أحمد أسامة
في ظل حالة الإنسداد السياسي والفشل في إجراء إنتخابات في أواخر عام 2021 في ليبيا، يسعى مبعوث الأمم المتحدة الخاص الى ليبيا عبدالله باتيلي من خلال مبادرته الأخيرة الى إجراء إنتخابات قبل نهاية العام الجاري.
إلا أن مبادرته التي يشكك الليبيون في مدى نزاهتها بسبب إلتفافها على المجالس التشريعية في البلاد والدعم الامريكي الغير مسبوق لها تؤكد مجدداً على غياب الإستقلالية في القرار الليبي.
فحكومات العاصمة طرابلس المتعاقبة منذ أكثر من عشر سنين فتحت أبواب البلاد على مصراعيها أمام الأجندات الخارجية في ليبيا وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية عبر فسادها ووضعها مقدرات البلاد في أيديهم.
مما جعل الشعب الليبي يعاني من الفقر وعدم توافر الحاجات الأساسية للحياة، ناهيك عن الفوضى السياسية والأمنية وإنتشار الميليشيات المسلحة التي تعيث خراباً في البلاد.
وما طلب حكومة الوحدة الوطنية الحالية بقيادة عبدالحميد الدبيبة من واشنطن مساعدتها في استرداد عشرات المليارات من الدولارات، من أصول مملوكة للدولة تزعم أن معمر القذافي سرقها إلا دليل آخر على فسادها وإفلاسها المالي إضافة الى السياسي.
فقد حذر البنك الدولي من ارتفاع الدين العام في ليبيا مع بلوغه مستوى يعادل 126% من الإيرادات الحكومية، في وقت زاد فيه الإنفاق الإجمالي على الرواتب.
حيث وصل الناتج المحلي الإجمالي حالياً إلى 45.8 مليار دولار، بينما يبلغ نصيب المواطن الليبي منه 6.725 دولار سنوياً، بحسب المؤسسة المالية الدولية.
ويرى التقرير الصادر عن البنك في أبريل الجاري أن السياق الأمني والسياسي الهش يقوّض حسن سير المؤسسات في ليبيا، إذ تقلص الاقتصاد بمقدار 1.2% في العام 2022 بسبب القيود المرتبطة بالصراع على إنتاج النفط.
ورغم تصريحات حكومة الدبيبة المدعومة أمريكياً رغم إنتهاء صلاحيتها قانونياً، ووعودها المتكررة بتحسين الحالة المعيشية للمواطن، يؤكد المراقبون الإقتصاديون أن الوضع الإقتصادي في البلاد يسير نحو الهاوية.
وأحد أسباب هذه الأزمة ما أشار إليه القائد العام للجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر، في كلمة ألقاها خلال لقائه عددًا من القيادات العسكرية والضباط بمقر القيادة العامة بمدينة بنغازي شرقي البلاد، والمتمثل في غياب التوزيع العادل للثروة.
حيث قال: “إن الشعب الليبي تضور جوعًا ولم يعد قادرًا على تحمل التصرفات غير المسؤولة والعبث المتعمد بثرواته ومقدراته التي يجب إعادة النظر في كيفية توزيعها بشكل عادل قبل فوات الأوان”.
من جهته، قال الخبير الاقتصادي مراد الصابري، إن أحد أهم أسباب أزمة عدم التوزيع العادل للثروة في ليبيا، التراكمات الزمنية التي تعود إلى عشرات السنين.
وأوضح الصابري أنه في عهد معمر القذافي كان النظام يركز جميع المؤسسات الاقتصادية الكبرى في العاصمة طرابلس دون باقي المدن، مما جعل التنمية والإنفاق تتمركز في العاصمة، بشكل خلق لدى باقي المدن إحساسا بالتهميش وعدم العدالة.
وأضاف: “بعد الإطاحة بالقذافي استمر ذلك الوضع، وبعد أن انقسمت البلاد استفاد الطرف الموجود والمسيطر على طرابلس من ذلك الوضع المركزي وأصبح يتحكم بثروات ليبيا”.
وأشار الخبير الليبي إلى أن “ليبيا تعتمد على إيراد النفط بشكل أساسي في ميزانيتها العامة والمؤسسة الوطنية للنفط كانت تدار بشكل منفرد، لصالح السلطة الحاكمة في الغرب، رغم أن الجيش الوطني من يؤمن حقول وموانئ النفط، المتمركزة أغلبها هناك”.
حيث أن أموال بيع النفط تصب بشكل حصري الى المصرف المركزي في طرابلس والذي يديره الصديق الكبير، مما تسبب في مشكلة عدم التوزيع العادل لثروات ليبيا.
وبالتالي فإن دور الإدارة الأمريكية التي تحض على إجراء إنتخابات في البلاد وبنفس الوقت تعطي الضوء الأخضر لحكومة الدبيبة للتصرف بمقدرات البلاد والبقاء في السلطة مقابل تطبيق أجندتها الخاصة ما هو نفاق إعتادت عليه جميع شعوب العالم.
فهي تسعى بشتى الطرق لبسط سيطرتها ونفوذها على المنطقة الشرقية من ليبيا في الدرجة الأولى عبر طرد قوات فاغنر الروسية، بحسب تصريحات مسؤوليها المتكررة، والإبقاء على حالة الإنقسام والوهن في البلاد والتي تصب في مصلحتها.