متابعة سالم هاشم..
يري أحد أساتذة جامعة الأزهر قائلا بالإستدلال. فيما يخص زرع كلى الخنزير في أجساد البشر
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد..؛
فإن من القضايا الفقهية الطبية التي أُثيرتْ مؤخَّرًا: نجاحُ تجربة أولية لزراعة كلى الخنزير في جسد إمرأة ميتة دماغيا!
ولكون الخنزير نجسَ العين محرمًا أكلُ لحمِه؛ اختلف سادتُنا العلماء في الحكم الشرعي بين القول بالجواز في حال الضرورة، والقول بعدم الجواز بناء على أصل التحريم.
والذي أراه أقرب إلى روح الشريعة ومقاصدها: القولُ بالجواز في حال الضرورة القصوى، بل الأولى استِزْرَاعُ كِلَى الخنزير -وغيره من الحيوانات إن ثبت صلاحيته الطبية، ويُقدَّم الحيوان الطاهر على النجس والمأكول على غير المأكول- على استِزْراعِ كِلَى الإنسان للإنسان؛ كما سأبيّنه بعد قليل بإذن الله. أما القول بالجواز في حال الضرورة؛ فمن أدلته ما يلي:
1- أمر النبي صلى الله عليه وسلم الأعرابَ أن يشربوا من أبوال الإبل للاستشفاء، والأبوال كلها محرَّمة نجسة.
2- ولأن الله تعالى قال: (وقد فصَّل لكم ما حرَّم عليكم إلا ما اضطررتم إليه).
3- وقال سبحانه: (فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم فإن الله غفور رحيم).
فقد أباح الله الأكلَ من المحرَّم للمضطر بقدْرِ ما يَحيَا به، وزارعُ الكِلَى مضطر لاستنقاذ حياته، ولا يحيا إلا بها.
قال سيدي الإمام الشافعي رضي الله عنه في كتابه الأم: (فيحل ما حرُم من ميتة ودم ولحم خنزير وكل ما حرُم مما لا يُغيِّر العقلَ من الخمر للمضطر، والمضطر: الرجلُ يكون بالموضع لا طعامَ فيه معه ولا شيء يسد فورةَ جوعه من لبن وما أشبهه، ويبلغه الجوع ما يخاف منه الموت أو المرض -وإن لم يخف الموت- أو يضعفه ويضره أو يعتل أو يكون ماشيًا فيضعف عن بلوغ حيث يريد … أو ما في هذا المعنى من الضرر البَيِّن … وأحبُّ إليَّ أن يكون آكله إن أكل وشاربه إن شرب أو جمعهما فعلى ما يقطع عنه الخوف ويبلغ به بعضَ القوة …. ولا بأس أن يتزود معه من الميتة ما اضطر إليه فإذا وجد الغِنَى عنه طرَحَه).أ.هـ
5- من الضروريات الخمس التي دعت الشريعة السمحة إلى حفظها (حفظ النفس)، ولا سبيلَ للحفاظ عليها في هذه الحالة إلا بالزرع للكلى.
6- قول الله تعالى: (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة)؛ فمن ترك نفسه للهلاك فقد خالف أمر الله بالمحافظة على النفس. ****************
وأما القول بأن زراعة كلى الخنزير وغيره من الحيوانات إن ثبت صلاحيته طبيا؛ أولى من زراعة كلى إنسان لإنسان؛ فندعمه ونشجعه لا سيما إن صلح أخذه من حيوان طاهر؛ فذلك لِمَا يلي:
أولا: لأن تبرُّع الإنسان الحي لإنسان بالكلى لا يخلو من تعرُّضِ المتبرِّع للخطر بالموت أو نقص في الصحة، والحفاظ عليه بكامل صحته مع وجود البديل (كلى الحيوان) أولى. وإن كانت الكِلى من ميت؛ فالأولى أيضًا أخذُها من الحيوان صيانةً لحرمة جسد الميت، والأصل: المنع. وتقرير ذلك: أن الإنسان لو أوشك على الموت جوعًا ولا يجد إلا آدميًّا وخنزيرًا؛ فمِن أي الجسدَين يأكل ما يحيا به؟ لا شــك أن الشرعَ والقانون والعقل يقول بأنه يأكل من الخنزير ولا يأكل من جسد آدمي، رغم قلة الخطر الذي سيتعرض له الآدمي عند قطع شيءٍ خارجيٍّ من جسده مقارنةً باستئصال الكِلَى من جسده… إذا؛ فالقول بتقديم عضو الحيوان على عضو الإنسان أولى.
ثانيا: إن وُجِد البديل الحيواني للأعضاء البشرية فستقلُّ جرائم سرقة الأعضاء التي يتم سرقتُها لهذا الغرض، ولا يخفى ما في ذلك من أمنٍ مجتمعي وتكريمٍ للإنسانية من امتهانها بتجارة أعضائها.
ثالثا: إن وُجِد البديل الحيواني للأعضاء البشرية فإنه يقينًا ستقِلُّ تكلفتُه عن العضو البشري؛ مما يساعد على إنقاذ عدد أكبر من البشر، خصوصًا من الفقراء والمحاويج الذين لا يستطيعون شراء أعضاء لهم.
ولعل مما يُستَشهَد به على ذلك قولُ الإمام الشافعي في الأم: (ولو اضطر ووجد طعامًا لم يُؤذَن له به لم يكنْ له أكلُ الطعامِ وكان له أكلُ الميتة). والله أعلم.
الإسلام دين السماحة
الإسلام دين الإنسانية
وكتبه
د.عمر عبد الوهاب
مدرس الشريعة الإسلامية جامعة الأزهر